رزية الخميس

بعضهم كان مُصَمِّمًا على الإمتثال

البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج المؤلف: محمد بن علي بن آدم بن موسى الإتيوبي الولوي
الناشر: دار ابن الجوزي ج8 ص 468
وعند ابن سعد من طريق أخرى، عن سعيد بن جبير: “إن نبيّ الله ليهجر”، ويؤيده أنه بعد أن قال ذلك: ” اسْتَفْهِمُوهُ بِصِيغَةِ الْأَمْرِ بِالِاسْتِفْهَامِ أَيِ اخْتَبِرُوا أَمْرَهُ بِأَنْ يَسْتَفْهِمُوهُ عَنْ هَذَا الَّذِي أَرَادَهُ وَابْحَثُوا مَعَهُ فِي كَوْنِهِ الْأَوْلَى أَوْ لَا. وَفِي قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ:  فَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ ” مَا يُشْهِرُ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ كَانَ مُصَمِّمًا عَلَى الِامْتِثَالِ وَالرَّدِّ عَلَى مَنِ امْتَنَعَ مِنْهُمْ، وَلَمَّا وَقَعَ مِنْهُمُ الِاخْتِلَافُ ارْتَفَعَتِ الْبَرَكَةُ كَمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِذَلِكَ عِنْدَ وُقُوعِ التَّنَازُعِ وَالتَّشَاجُرِ.

قَالَ الْمَازِرِيُّ: إِنَّمَا جَازَ لِلصَّحَابَةِ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مَعَ صَرِيحِ أَمْرِهِ لَهُمْ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَوَامِرَ قَدْ يُقَارِنُهَا مَا يَنْقُلُهَا مِنَ الْوُجُوبِ، فَكَأَنَّهُ ظَهَرَتْ مِنْهُ قَرِينَةٌ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ عَلَى التَّحَتُّمِ بَلْ عَلَى الِاخْتِيَارِ فَاخْتَلَفَ اجْتِهَادُهُمْ، وَصَمَّمَ عُمَرُ عَلَى الِامْتِنَاعِ لِمَا قَامَ عِنْدَهُ مِنَ الْقَرَائِنِ بِأَنَّهُ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ ذَلِكَ عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ جَازِمٍ، وَعَزْمُهُ – صلى الله عليه وسلم – كَانَ إِمَّا بِالْوَحْيِ وَإِمَّا بِالِاجْتِهَادِ، وَكَذَلِكَ تَرْكُهُ إِنْ كَانَ بِالْوَحْيِ فَبِالْوَحْيِ وَإِلَّا فَبِالِاجْتِهَادِ أَيْضًا، وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَنْ قَالَ بِالرُّجُوعِ إِلَى الِاجْتِهَادِ فِي الشَّرْعِيَّاتِ.

قالَ الجامِعُ: اجْتِهادُهُ صلّى اللهُ عليهِ وسلَّم في مِثْلِ هذا وَحْيٌ؛ أيْ: إِنَّ الوَحْيَ أَقَرَّهُ، حَيْثُ لَمْ يَنْزِلْ بِنَقْضِهِ، فَدَلَّ على أنَّ ما قالَهُ، وَسَكَتَ عنهُ اجْتِهادًا مِمّا أَقَرَّهُ اللهُ تعالى عليهِ، فلا يَنْبَغِي الشَّكُّ وَالتَّرَدُّدُ في كَوْنِهِ هو الحَقَّ، فَتَبَصَّرْ.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى