حرب الجمل

معركة الجمل في نهج البلاغة

ضعف المخالفين في الإستدلال بنهج البلاغة

وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً [هُمْ] تَرَكُوهُ، وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ

ومن كلام له (عليه السلام) [في معنى طلحة والزبير] وَاللهِ مَا أَنْكَرُوا [عَلَيَّ] مُنْكَراً، وَلاَ جَعَلُوا بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ نِصْفاً (1)، وَإِنَّهُمْ لَيَطْلُبُونَ حَقّاً [هُمْ] تَرَكُوهُ، وَدَماً هُمْ سَفَكُوهُ، فَإِنْ كُنْتُ شَرِيكَهُمْ فِيهِ فَإِنَّ لَهُمْ نَصِيبَهُمْ مِنْهُ، وَإِنْ كَانُوا وَلُوهُ دُونِي فَمَا الطَّلِبَةُ (2) إِلاَّ قِبَلَهُمْ، وَإِنَّ أَوَّلَ عَدْلِهِمْ لَلْحُكْمُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي، مَا لَبَّسْتُ وَلاَ لُبِّسَ عَلَيَّ، وَإِنَّهَا لَلْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ، فِيهَا الْحَمأُ وَالْحُمَةُ (3) وَالشُّبْهَةُ الْمُغْدِفَةُ (4)، وَإِنَّ الاَْمْرَ لَوَاضِحٌ، وَقَدْ زَاحَ الْبَاطِلُ عَنْ نِصَابِهِ (5)، وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ عَنْ شَغَبِهِ (6). وَايْمُ اللهِ لاَُفْرِطَنَّ (7) لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ (8)، لاَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ بِرِيٍّ، وَلاَ يَعُبُّونَ (9) بَعْدَهُ فِي حَسْي (10)!منه: [في أمر البيعة] فَأَقْبَلْتُمْ إِلَيَّ إِقْبَالَ الْعُوذِ الْمَطَافِيلِ (11) عَلَى أَوْلاَدِهَا، تَقُولُونَ: الْبَيْعَةَ الْبَيْعَةَ! قَبَضْتُ كَفِّي فَبَسَطْتُمُوهَا، وَنَازَعَتْكُمْ يَدِي فَجَاذَبْتُمُوهَا.
اللَّهُمَّ إنَّهُمَا قَطَعَاني وَظَلَمَاني، وَنَكَثَا بَيْعَتِي، وَأَلَّبَا (12) النَّاسَ عَلَيَّ; فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا، وَلاَ تُحْكِمْ لَهُمَا مَا أَبْرَمَا، وَأَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِيَما أَمَّلاَ وَعَمِلاَ، وَلَقَدِ اسْتَثَبْتُهُمَا (13) قَبْلَ الْقِتَالِ، وَاسْتَأْنَيْتُ بِهمَا أَمَامَ الْوِقَاعِ (14)، فَغَمَطَا النِّعْمَةَ (15)، وَرَدَّا الْعَافِيَةَ.
____________
1. النِّصْف ـ بكسر النون ـ: الانصاف.
2. الطَّلِبة ـ بفتح الطاء وكسر اللام ـ: ما يطالب به من الثأر.
3. المراد بالحَمَأ هنا مطلق القريب والنسيب، وهو كناية عن الزبير، فانه من قرابة النبي ابن عمته. والحُمَة ـ بضم ففتح ـ: أصلها الحية أوإبرة اللاسعة من الهوام.
4. أغْدَفَت المرأة قناعها: أرسلته على وجهها، وأغدف الليل: أرخى سدوله. يعني: أن شبهة الطلب بدم عثمان شبهة ساترة للحق.
5. زَاح يزيحُ زَيْحاً وزَيحاناً: بَعُدَ وذهب، كانزاح. والنصاب: الاصل. أي: قد انقلع الباطل عن مَغْرِسه.
6. الشّغَب ـ بالفتح ـ: تهييج الشرّ.
7. أفرطَ الحوضَ: ملاه حتى فاض، والمراد حوض المنية.
8. ماتِحُهُ: أي نازع مائه لاسقيهم.
9. عبّ: شرب بلا تنفّس.
10. الحَسْيُ ـ بفتح الحاء وتكسر ـ: سهل من الارض يستنقع فيه الماء.
11. العُوذ ـ بضم العين ـ: جمع عائذة وهي النِّتاج من الظباء والابل، أوكل أُنثى. والمطَافيل: جمع مُطْفِل ـ بضم الميم وكسر الفاء ـ: ذات الطفل من الانس والوحش.
12. التألّب: الافساد.
13. اسْتَثَبْتُهُما: من ثاب (بالثاء) إذا رجع، أي استرجعتهما. وطلبت اليهما الرجوع للبيعة.
14. أَمام الوِقاع ـ ككتاب ـ: قبيل المواقعة بالحرب.
15. غَمَطَ النعمة: جَحَدَها.


[مبايعة علي(عليه السلام)] فَمَا رَاعَنِي إلاَّ وَالنَّاسُ إليَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ(1)، يَنْثَالُونَ(2) عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِب، حَتَّى لَقَدْ وُطِىءَ الحَسَنَانِ، وَشُقَّ عِطْفَايَ(3)، مُجْتَمِعِينَ حَوْلي كَرَبِيضَةِ الغَنَمِ(4).
فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالاَْمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ(5)، وَمَرَقَتْ أُخْرَى(6)، وَفَسَقَ [وقسط ]آخَرُونَ(7) كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا اللهَ سُبْحَانَهُ يَقُولُ: (تِلْكَ الدَّارُ الاخِرَةُ نَجْعَلُهَاِللَّذِينَ لاَ يُريدُونَ عُلُوّاً في الاَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)، بَلَى! وَاللهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَوَعَوْهَا، وَلكِنَّهُمْ حَلِيَتَ الدُّنْيَا(11) في أَعْيُنِهمْ، وَرَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا(12)! أَمَا وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ(13)، لَوْلاَ حُضُورُ الْحَاضِرِ(14)، وَقِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ(15)، وَمَا أَخَذَ اللهُ عَلَى العُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا(16) عَلَى كِظَّةِ(17) ظَالِم، وَلا سَغَبِ(18) مَظْلُوم، لاََلقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا(19)، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها، وَلاََلفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْز(20)!

____________
1. عُرْفُ الضّبُع: ماكثر على عنقها من الشعر، وهو ثخين يُضرب به المثل في الكثرة والازدحام.
2. يَنْثَالون: يتتابعون مزدحمين.
3. شُقّ عطفاه: خُدِشَ جانباه من الاصطكاك.
4. رَبيضَةُ الغنم: الطائفة الرابضة من الغنم.
5. نَكَثَتْ طَائفة: نَقَضَتْ عهدَها، وأراد بتلك الطائفة الناكثة أصحابَ الجمل وطلحةَ والزبيرَ خاصة.
6. مَرَقَتْ: خَرَجَتْ، وفي المعنى الديني: فَسَقَتْ، وأراد بتلك الطائفة المارقة الخوارج أصحاب النّهْرَوَان.
7. قَسَطَ آخرون: جاروا، وأراد بالجائرين أصحاب صفين.
11. حَلِيَتِ الدنيا: من حَليتِ المرأهُ إذا تزيّنَت بِحُلِيّها.
12. الزِبْرِجُ: الزينة من وَشْي أوجوهر.
13. النَسَمَة ـ محركة ـ : الروح وهي في البشر أرجح، وبَرَأها: خلقها.
14. أراد «بالحاضر» هنا: من حضر لِبَيْعَتِهِ.
15. أراد «بالناصر» هنا: الجيش الذي يستعين به على إلزام الخارجين بالدخول في البيعة الصحيحة.
16. ألاّ يُقَارّوا: ألاّ يوافقوا مُقرّين.
17. الكِظّةُ: ما يعتري الاكل من الثّقَلِ والكَرْب عند امتلاء البطن بالطعام، والمراد استئثار الظالم بالحقوق.

18. السَغَب: شدة الجوع، والمراد منه هضم حقوقه.
19. الغارب: الكاهلُ، والكلام تمثيلٌ للترك وإرسال الامر.
20. عَفْطَة العَنْز: ما تنثره من أنفها. وأكثر ما يستعمل ذلك في النعجة وإن كان الاشهر في الاستعمال «النّفْطَة» بالنون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى