وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ (بقلم الأخ مصباح الظلام )

بلاغيًّا لتثبيتِ وقوعِ الفعلِ قبلَ لحظةِ الخطابِ، وكأنّها تُغلقْ بابَ الاحتمالِ وتفتحْ بابَ المحاسبةِ. حينَ تُستخدمْ في سياقِ العفوِ، فإنّها لا تُشيرْ إلى الرحمةِ المجرّدةِ، بل إلى عفوٍ تمّ ثمّ كُشفَ بعدَه ما كانَ مستورًا

أوّلًا: “لقدْ” كأداةِ تثبيتٍ زمنيٍّ ومقاميٍّ.

نحويًّا: تدخلُ على الفعلِ الماضي فقط، وتُفيدُ التحقيقَ.

بلاغيًّا: تُعلنُ أن الفعلَ قد وقعَ، وتمّ، وانتهى قبلَ لحظةِ الخطابِ. مقاميًّا: تُستخدمُ حينَ يكونُ الفعلُ (كالعفوِ) قد تمّ، لكنْ هناكَ ما يستدعي ذكرَه لاحقًا، كالتكرارِ أو الاستغلالِ.

ولقد عفا اللهُ عنهم ← العفوُ وقعَ، لكنْ ذكرُه الآن يُمهّدُ لكشفٍ لاحقٍ، لا ليُعيدَ الرحمةَ، بل ليُبرّرَ الفضحَ.

ثانيًا: العفوُ لا يُلغي الفضحَ إن تكرّرَ الزللُ العفوُ الإلهيُّ يُعطى لمن يندم، لا لمن يُصرّْ، حينَ يُذكرُ العفوُ بصيغةِ (لقد)، فهذا يعني أنّه تمّ سابقًا، لكن هناكَ عودةٌ إلى نفسِ الفعلِ. الفضحُ هنا ليسَ نقيضًا للعفوِ، بل نتيجةٌ تربويّةٌ حينَ يُستغلُّ السترُ.

استزلّهم الشيطانُ ← وقعَ الزللُ ولقد عفا اللهُ عنهم ← تمّ العفوُ لكنّهم كرّروا فعلتَهم ← فكانَ الفضحُ.

ثالثًا: الفضحُ كأداةٍ تربويّةٍ بعدَ العفوِ اللهُ لا يفضحُ عبادَه بعدَ التوبةِ، لكن إن عادوا، فالفضحُ يُصبحْ بلاغةً إصلاحيّةً، الفضحُ لا يُسقط العفوَ، بل يُظهر أن العفوَ لا يُستغلّْ، في هذا السياقِ الفضحُ يُعيدُ ضبطَ المقاماتِ: من مقامِ السترِ إلى مقامِ الكشفِ دونَ أن يُسقطَ الرحمةَ.

رابعًا: قاعدةٌ بلاغيّةٌ مستخلصةٌ  إذا ذُكرَ العفوُ بصيغةِ التحقيقِ فانتظر كشفًا لاحقًا إن تكرّرَ الزللُ فـ (لقد) لا تُستخدم لتطمينٍ فقط بل لتُهيّئَ المتلقّي لفهمِ أن ما سيُكشفُ لاحقًا ليسَ ظلمًا، بل عدلًا بعدَ استغلالِ الرحمةِ.

خاتمةٌ: من (لقد) إلى الفضحِ لا نقرأْ زمنًا فقط بل نقرأْ مقاماتٍ تربويّةً، تُظهرُ أن اللهَ يُعطي فرصةً، لكن لا يقبلُ الاستغلالَ فالبلاغةُ هنا ليست في الترتيبِ النحويِّ بل في الترتيبِ المقاميِّ الذي يُعيدُ تعريفَ العلاقةِ بينَ العفوِ والتكرارِ والفضحِ.

تفكيك مقامي:

العفو وقعَ سرًّا والزلل تكرّرَ جهرًا، فكان لا بدّ من فضحٍ يُعيد ضبط المقام.

الفضح ليس نقيضًا للعفو بل نتيجةٌ تربويّةٌ حين يُستغلّ الستر ومن ظنّ أن العفو يُسقط المحاسبة فقد خاصم المقام، ومن خاصم المقام فُضِحَ في النص.