كلمة سماحة المرجع الديني الشيخ حسين وحيد الخراساني حفظه الله قبيل ذكرى شهادة السيدة الزهراء عليها السلام.. صبيحة الأربعاء 27 جمادى الأولى 1439 هـ الموافق 14-2-2018م.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيّما بقية الله في الأرضين، واللعن على اعدائهم الى يوم الدين.
مع اقتراب الأيام الفاطمية، فإنّ المصيبة العظمى هي شهادة الصديقة الكبرى.
وظيفتكم جميعاً في هذه الأيام بيان عظمة هذه السيدة.
إن أحداً لم يعرف هذه الجوهرة.
لكل موجود أصل (مبدأ) ومنتهى (مآل ونهاية) ووسط، فما هو المبدأ؟ وما هو المنتهى؟ وما هو الوسط؟
اذا فُهمت هذه الكلمات الثلاث تُعرف الصديقة الكبرى
أما أصلها، فأفضل من كل الكلام، كلمات من كانوا عارفين بجواهر الوجود.
لِمَ سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ الزَّهْرَاءُ، زَهْرَاءَ؟ (الإمامة والتبصرة ص133)
ما سر هذا الاسم؟ هذا السؤال الذي وُجِّهَ لصادق آل محمد عليه السلام
فَقَالَ(عليه السلام): لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ خَلَقَهَا مِنْ نُورِ عَظَمَتِهِ: الكلّ يقف مذهولاً هنا من الشيخ الطوسي إلى الشيخ الأنصاري!
المبدأ: خلقها من نور عظمته، فمبدأ وجودها الخلق من نور عظمة الله، هذا أصلُ فاطمة الزهراء.
من فهم هذه الجملة؟
من يفهم آية النور يفهم هذه الجملة: (اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ في زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ)
مشكاة آية النور فاطمة الزهراء
المصباح الاول الامام الحسن المجتبى
المصباح الثاني خامس آل العباء
نهاية الآية (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ)، فختم الآية ولي العصر صاحب الزمان.
هذا أصلها.. يقول الإمام: فَلَمَّا أَشْرَقَتْ أَضَاءَتِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِنُورِهَا: كل السماوات السبع والأرضين أشرقت من نور روح فاطمة الزهراء.
هذه فاطمة الزهراء فهل عرفها احد؟
والمطلب مهم الى حد انه: غَشِيَتْ أَبْصَارَ الْمَلَائِكَةِ: صارت مخفية عن عيون الملائكة، ورؤية جبرائيل ليس لها طاقة لرؤية نور باطن فاطمة الزهراء عليها السلام. هذه معرفتها.
وَخَرَّتِ الْمَلَائِكَةُ لِلَّهِ سَاجِدِينَ: كل الملائكة، سجد جميع الملائكة، فأيُّ نور هو هذا؟
وَقَالُوا: إِلَهَنَا وَ سَيِّدَنَا، مَا هَذَا النُّورُ؟
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ: انتم أهل العلم، تفكروا في هذه الجملة اليوم واستخرجوا منها الجواهر.
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمْ: هَذَا نُورٌ مِنْ نُورِي: هذا كلام الله تعالى للملائكة عن الصديقة الكبرى!
نُورٌ مِنْ نُورِي، وَ أَسْكَنْتُهُ فِي سَمَائِي: العقل يقف حائراً مذهولاً!
خَلَقْتُهُ مِنْ عَظَمَتِي: الأصل والمبدأ في خلق فاطمة الزهراء عظمة الله.
ماذا تعني هذه الجملة؟
قلتم عمراً في الركوع: (سبحان ربي العظيم)، هذا العظيم خلق فاطمة الزهراء من عظمته. هذا أصل وجودها.
هَذَا نُورٌ مِنْ نُورِي: النور الاول نكرةٌ، وهذه النكرة أعرف المعارف فلماذا جاءت نكرة؟ ما هو وجه التنكير؟
يتضح وجه التنكير في هذا الحديث الذي يحيّر العقول عن سادس الأئمة عليه السلام:إِنَّمَا سُمِّيَتْ فَاطِمَةُ لِأَنَّ الْخَلْقَ فُطِمُوا عَنْ مَعْرِفَتِهَا (تفسير فرات ص581)
كل الخلق، بمن فيهم جبرائيل وميكائيل وإسرافيل مفطومون عن معرفة فاطمة ومقطوعون عن ذلك!
هذا أصل ومبدأ وجودها، أما منتهى هذا الوجود، فينبغي أولاً فهم القيامة، ماذا تعني القيامة؟
وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (إبراهيم 48)
في هذه القيامة يبرز كل الخلائق لله الواحد القهار، وفي مثل هذا اليوم يكون كل الانبياء من آدم لعيسى تائهين، في مثل هذا اليوم تظهر فاطمة على ناقة عليها قبة باطنها عفو الله ظاهرها رحمة الله، ينادي المنادي من بطنان العرش: يَا مَعْشَرَ الْخَلَائِقِ غُضُّوا أَبْصَارَكُمْ حَتَّى تَجُوزَ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ، فتصل لقائمة العرش وهناك يختم المحشر.
فجاة والكل في غفلة تخرج قميصاً ملطخاً بالدم تضعه على رأسها، وتقول: يا رب شيعتي.
يأتي جبرائيل ناقلاً سلام الله طالباً أن تنزل القميص عن رأسها: يَا فَاطِمَةُ سَلِي حَاجَتَك.
الحاجة التي تطلبها: يَا رَبِّ أَرِنِي الْحَسَنَ وَالْحُسَيْن.
الحسن بكبده المسموم، والحسين مع الرأس المقطوع.
هكذا تحضر في المحشر.. هذا المنتهى!
أما الوسط: لِمَ سُمِّيَتْ زَهْرَاء؟
يقول الامام السادس: لِأَنَّهَا كَانَتْ إِذَا قَامَتْ فِي مِحْرَابِهَا زَهَرَ نُورُهَا لِأَهْلِ السَّمَاءِ كَمَا يَزْهَرُ نُورُ الْكَوَاكِبِ لِأَهْلِ الْأَرْضِ.
هذه آثار باطنها: يزهر نورها لملائكة السماء، أي باطن هذا؟ نورها يتجلى من باطنها للعرش لما تقف في محرابها.. وقد قامت في محراب عبادتها حتى تورمت قدماها.
هذا قيامها في محراب العبادة.. وهذا المبدأ والمنتهى والوسط.
نأمل في هذه الفاطمية (الاسبوع القادم) أن تشارك عموم الهيئات لتعزية القلب المقدس لأمير المؤمنين عليه السلام، وأن يخرج الجميع لإحياء المناسبة.
مهمتكم جميعاً تنبيه الناس، لتعزية قلب من جاء النبي (ص) لرؤيته في حرب أحد، ورأى بدنه مليئاً بالثقوب حتى أن الفتيلة تدخل في ثقوبه، فبكى النبي (ص) لكنه قال: ان ذلك في ذات الله قليل.
ولما ضرب صبح اليوم التاسع عشر على رأسه كانت البسمة على شفتيه (ع) وقال: فزت ورب الكعبة.
لكنه نفسه قال عند دفنها:
نفسي على زفراتها محبوسة *** يا ليتها خرجت مع الزفرات
الهي بحق فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها، لا تفرق بيننا وبينها طرفة عين ابداً.